أنا حزين.. (4)

(ياسر قشلق)- دي برس
 
قديماً؛ حين كان يدور خلافٌ ما بين عائلتين، أيُّ خلاف، كانت تلجأ أضعفهما إلى حيلةٍ خسيسة لكسب المعركة، وذلك بأن تأمر أطفالها أن يتعرضوا بشكلٍ فاجر لأعيان العائلة الأخرى.. ولأن مخيلة الأطفال خصبة، كانت العائلة المقصودة تتلقى ألواناً مُذلّة من العذاب والمهانة على يد من لا يؤاخذون! فما يكون منها إلا الانصياع لخسة الحيلة، وإنهاء الخلاف بأي طريقةٍ حتى وإن غبنها فعل ذلك! أورد هذه القصة العامة لأني أراها وقد أصبحت «عقيدةً» راسخة عند (قادة إسرائيل) لابتزاز ساسة العالم، فرغم وضاعة الأسلوب وانفضاحه للجميع، لا تجد (الدولة الصهيونية) أية مشكلة بإشهاره في كل مرّة تشعر فيها بالحرج من وقوف أحدهم ضدها.
ياسر قشلق

مؤخّراً؛ وانعكاساً لما سمّي (خلافاً بين أوباما وحكومة الاحتلال حول بناء المستوطنات خارج الخط الأخضر)، خرج، أو أُخرج، مستوطنون يهود بتظاهرات ضد أوباما وإدارته، رافعين لافتات كتب على بعضها: «أوباما أنت عربي»، أو «كلينتون تحب العرب»، طبعاً يلحظ المتابع لمجريات الأحداث كيف حاولت الإدارة الأميركية عقب هذه المظاهرات تلطيف الأجواء مع إسرائيل، وصولاً إلى إعلان انتهاء الخلاف حول المستوطنات دون أي ذكر لآلية حدوث ذلك. ووفقاً لبداية الزاوية؛ لا يبدو التحول الأميركي السابق مستغرباً، فقد مورس بحق واشنطن (مهاترات طفولية) هي بغنىً عنها، كما أنها بغنى عن أي تمادي لاحق من جانب أطفال إسرائيل (المستوطنين)، من قبيل اتهام أوباما بـ«معاداة السامية» أو حتى «إنكاره للهولوكست»، وهي تهم، كما هو معروف، يتحاشاها أي أميركي، فكيف هي الحال والحديث يجري عن سيد البيت الأبيض؟! بالتأكيد؛ لست معنيّاً أبداً بالخلاف الأميركي – الإسرائيلي، وقد علّقت عليه سابقاً بأنه خلافٌ للاستهلاك الإعلامي، ترمي واشنطن من ورائه تمرير بعض أجندتها بالشرق الأوسط، وقد نجحت في تحقيق ذلك كما يعلم الجميع. لكن ما يعنيني هنا هو فحوى المشاكسات الصهيونية ضد أوباما والتي تتمحور حول اتهامه بـ«العروبة»! نعم أشدد هنا على (اتهامه)، كون السياق الذي جرت به الأمور يشير إلى حالة «فوبيا» حقيقية من أن يكون الإنسان، أي إنسان في العالم، عربياً، وكأن الكلمة ما هي إلا اختزالٌ جزلٌ لجملةٍ من الصفات المفتوحة لأي جديد، والتي تبدأ بـ(الإرهاب والعنصرية) ولا تنتهي عند (التخلف والهمجية). المزعج حقّاً؛ أنه بعد هذا الاحتقار العلني لأي شيءِ عربي، يدّعي الصهاينة بوقاحة أنهم دعاة سلام مع العرب!! فإن كنّا «عرباً لهذه الدرجة» بنظرهم، كيف يأمنون على أنفسهم من عروبتنا ونحن نعتزم عقب توقيع «اتفاق السلام» معهم التهام أطفالهم عند الظهيرة واستباحة نسائهم في المساء؟! والسؤال الموجه لبعض «العرب جداً» كيف تتمادون بالتمسك بخيار «السلام» مع هكذا عدو حوّل «عروبتكم» لشتيمةٍ مهينة يشهرها بوجه الآخرين؟! أقول: وليعذرني القارئ في هذا، إن «منطق السلام» الذي تدعيه إسرائيل ما هو سوى «منطق عاهرة» تفترض سلفاً أن الجميع ينظر لها بتقدير إلى أن يثبت العكس، مع فارق بسيط -ولصالح العاهرة هذه المرة- يضعها دائماً في مرتبة أعلى من إسرائيل، الفارق هو أن من يكتشف (عهر العاهرة) يُضم لقائمة زبائنها المحتملين، لأمرٍ تقتضيه مصلحتها، على حين أن من يكتشف (عهر إسرائيل) يُضم لقائمة الأعداء الحقيقيين، أيضاً لأمرٍ تقتضيه مصلحتها! أعود لأختتم بقصةٍ من الماضي كما بدأت، حين كنت طفلاً كان والدي يردّد بفخرٍ على مسامعنا -أنا وإخوتي- قصيدة الراحل محمود درويش «سجّل أنا عربي» حتى حفظناها جميعاً عن ظهر قلب، وإني لأذكر إلى اليوم تعابير وجهه عندما كان يحدثنا بحماسٍ عن معنى أن يكون المرء عربياً.. أقول لوالدي والألم يعتصرني: ما سجله درويش وفخرت به صار تهمةً بحجم خطيئةٍ يا أبي، خطيئةً يخافها الغريب، ويستحي من حملها بعض أبناء عروبتنا!!